

الإحترام واجب

1- عوالم وجودنا قبل هذا العالم :
إن وجودنا الفعلي ليس أول وجودنا ولا آخره ! فقد تظافرت الأدلة من العلم والتجربة والقرآن والسنة ، على وجود عوالم قبل عالمنا هذا وبعده ، واشتهر منها عالم الذر لقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا.. ومنها: عالم الأنوار الأولى ، وهو أول ظلال أو فَئْ خلقه الله تعالى من نور عظمته ، ويسمى أيضاً عالم الأشباح النورانية. ومنها: عالم الأظلة ، الذي خلق فيه الناس وتعارفوا. ومنها: عالم الطينة ، وهي الأصل الذي خلق منه الناس. كما أن قوله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ، يشير الى عالم حين كان الإنسان شيئاً غير مذكور. (راجع العقائد الإسلامية: 1/60). وقد دلت الآيات والأحاديث على أن امتحان الإنسان قد تمَّ في تلك العوالم ، فيكون عمله في هذا العالم تطبيقاً لما اختاره بإرادته الحرة الكاملة هناك .
2- خلق نور نبينا وآله (صلى الله عليه وآله) قبل هذا العالم وأحاديثه في مصادرنا متواترة ، وفي مصادرهم كثيرة ، بحثها آية الله الميلاني في المجلد الخامس من كتابه ((نفحات الأزهار)) ، ونكتفي هنا ببعضها:
أ. فمنها ما نص على أن الله تعالى خلق نور النبي (صلى الله عليه وآله) قبل خلق الخلق ، كما في الخصال/481 ، عن علي (عليه السلام) :(( إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد (صلى الله عليه وآله) قبل أن خلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار وقبل أن خلق آدم ونوحاً وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى... وخلق الله عز وجل معه اثني عشر حجاباً: حجاب القدرة ، وحجاب العظمة ، وحجاب المنة ، وحجاب الرحمة ، وحجاب السعادة وحجاب الكرامة ، وحجاب المنزلة ، وحجاب الهداية ، وحجاب النبوة ، وحجاب الرفعة ، وحجاب الهيبة ، وحجاب الشفاعة. ثم حبس نور محمد (صلى الله عليه وآله) في حجاب القدرة اثني عشر ألف سنة وهو يقول: سبحان ربي الأعلى ، وفي حجاب العظمة أحد عشر ألف سنة وهو يقول: سبحان عالم السر ، وفي حجاب المنة عشرة آلاف سنة وهو يقول: سبحان من هو قائم لا يلهو..الخ. )). ومعاني الأخبار/306.
ب. ومنها أن عترة النبي(عليهم السلام)خلقوا من نوره (صلى الله عليه وآله) ، ففي الكافي:1/442:(( قال لي أبو جعفر (عليه السلام) : يا جابر إن الله أول ما خلق خلق محمداً وعترته الهداة المهتدين ، فكانوا أشباح نور بين يدي الله . قلت: وما الأشباح ؟ قال: ظل النور ، أبدان نورانية بلا أرواح ، وكان مؤيداً بروح واحدة وهي روح القدس ، فبه كان يعبد الله . وعترته ، ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء ، يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ، ويصلون الصلوات ، ويحجون ويصومون )).
ج. ومنها أن نبينا (صلى الله عليه وآله) أول من أجاب في عالم الذر عندما خلق الله البشر وامتحنهم ففي بصائر الدرجات/83 ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (( إن بعض قريش قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : بأي شئ سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال: إني كنت أول من أقر بربي وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين و: أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ، وكنت أنا أول نبي قال بلى فسبقتهم بالإقرار بالله)).
3- أحاديث خلق نور النبي (صلى الله عليه وآله) في مصادر السنيين
أ. روت عدداً منها مصادرهم ، وصححوا بعضها ، وضعفوا أكثرها ، وجردوها من ذكر العترة ! ففي مجمع الزوائد: 8/223:((عن ميسرة العجر قال: قلت يا رسول الله متى كتبت نبياً؟ قال: وآدم بين الروح والجسد)). رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح)).
ب. وأشهر ما رووه في ذلك حديث: كنت أنا وعليٌّ نوراً بين يدي الرحمان ، رواه ابن حنبل في فضائل الصحابة:2/262، عن سلمان قال:(( سمعت حبيبي رسول الله (ص) يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزءين فجزء أنا وجزء علي)). وقد بتره ابن حنبل ، لأن نصه كما في تاريخ دمشق: 42/67: (( كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله ، مطيعاً يسبح الله ذلك النور ويقدسه ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه ، فلم نزل في شئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ، فجزء أنا وجزء علي )). وهذا النص مبتور أيضاً فقد نقله في شرح النهج: 9/171، عن فردوس الأخبار وقال: ((رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل علي. وفي كتاب الفردوس: ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب فكان لي النبوة ولعلي الوصية)) . راجع الملحق رقم (1)
4- ملاحظات على أحاديث خلق نور النبي (صلى الله عليه وآله)
أ. لايمكن لأحد أن ينفي أن الله تعالى بِدأ خلق الكون بنور محمد (صلى الله عليه وآله) ، لأن قدرتنا المعرفية لا تسمح لنا بالنفي أو الإثبات ! فلا وسائل عندنا لمعرفة كيف يعمل الله تعالى ، وكيف بدأ خلقه ، إلا بما أخبرنا به النبي (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى . فيجب أن نعترف بمحدودية معلوماتنا رغم تطور العلم وكشفه الكثير عن النور والأشعة ، واستفادة العلماء منها في الطب والحرب . ورغم اكتشاف آينشتاين نظرية النسبية الخاصة والعامة ، اللتين تجعلان الزمن ركناً في وجود المادة ، وتقدمان حقائق جديدة عن النور والحركة ، وقوانين تحول المادة الى طاقة وبالعكس ، وتقرران إمكانية سفر الإنسان في المستقبل وفي الماضي ! إلا أنا مع كل ذلك ، لا نعرف كيف بدأ الله تعالى خلق الكون ، فغاية ما توصل اليه العلماء مرحلة الغيوم السديمية ، ثم وصلوا الى مرحلة قبلها هي بحر الغاز السائل . لكن بقيت مسائل بدء الخلق وتنويعه وتطويره ، من الأسرار !
ب. من دلالات خلق نور النبي أنه (صلى الله عليه وآله) مشروع خاص لا يقاس به أحد حتى الأنبياء(عليهم السلام)الذين أخذ الله ميثاقهم بنبوته(عليهم السلام) . وكذلك عترته المعصومون: علي وفاطمة والحسنان والتسعة من ذرية الحسين(عليهم السلام) ، الذين خلق الله نورهم مع نوره (صلى الله عليه وآله) ، أو اشتقه منه ، فهم جزء لا يتجزأ من الحقيقة المحمدية . ج. نلاحظ أن أخبار خلق نور النبي (صلى الله عليه وآله) مغيبةٌ عن ثقافتهم وتثقيفهم ، فلا تسمعها في مساجدهم ومعاهدهم وخطبهم ، ولا تراها في مناهجهم التربوية ، اللهم إلا ما أخذه بعض الصوفية وبنوا عليه بناءاتهم . وهذا السلوك المتعمد في الإعراض عن ذكر مقامات النبي (صلى الله عليه وآله) موروث من طلقاء قريش الذين كانوا زمن النبي (صلى الله عليه وآله) يسمون خيار الصحابة (عُبَّاد محمد) ! ويتهمونهم بالغلو فيه لأنهم يؤمنون بمقاماته (صلى الله عليه وآله) ، ويتعبدون بأوامره ونصوصه !
ولذلك أعلنوا بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ! وقد ورثهم في عصرنا بدوٌ متعصبون لقريش وبني أمية ، فقالوا (محمد طارش ومات) أي مبعوث أوصل رسالة وانتهى وهو الآن لا ينفع ! بل قال عالمهم (عصاي هذه أنفع من محمد) ! وحرموا زيارة قبره (صلى الله عليه وآله) ! وحكموا على المسلمين بالغلو والشرك لمجرد خطابهم للنبي (صلى الله عليه وآله) وقولهم:((يا رسول الله إشفع لنا عند الله)) !
أول ما خلق الله نور محمد و آل بيته
أول ما خلق الله نور محمد و آل بيته
الإحترام واجب
