top of page

 

1- اللسان يُكنى به عن الشخص عادة

 

الشاهد الأول: وهو من المفردات نلاحظه في آية: {َجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً }مريم 50 فإن كلمة (لِسَانَ ) عادة يُكنى بها عن الشخص، إذ أن المعنى الحقيقي ليس هو المراد في الآية كما هو واضح، إذ لا يقصد: جعلنا لهم هذا اللسان أي القطعة من اللحم الموجودة في الفم، لأن هذا غير مراد قطعا.

فالمراد هو: المعنى المجازي لا الحقيقي للسان، ولكن ماهو المعنى المجازي هنا؟

فإنه يحتمل أن يراد به (شخصا ذا لسان صدق) كما نستظهر، ويحتمل أن يُيراد به (الذكر الحسن) كما تقولون، ويقول به جمع من العلماء.

لكن المشكلة والإشكال في هذا الاحتمال هو أن (اللسان) لا يكنى به عن الذكر الحسن عادة، وإنما يُكنى به عن الشخص عادة، تقول: (فلان لساني الناطق) أو (لساني في القوم)، هكذا يقولون عادة، فـ {لِسَانَ صِدْقٍ} يعني شخصا ذا لسان صدق، انتم ابحثوا في الأعراف وستلاحظون أنهم لا يكنون عن المعنى أي السمعة والذكر الحسن باللسان، وإنما يكنى به عن الشخص، تقول: (فلان هو لساني الناطق، أو يدي الباطشة، أو عيني الناظرة)، ولا تقول فيما إذا أردت بيان: إن سمعتك حسنة، (إن لسانك حسن).

فهذه هي القرينة الأولى: أن (اللسان) يُكنى به عن الشخص عادة، وإذا أرادوا (الذكر الحسن)، فإنهم يقولون: (سمعة حسنة أو جيدة) مثلا، ولا يقولون: لسان حسن أو جيد.

 

والأمر في الطلب والدعاء كذلك ظاهرا، إذ تطلب: (رب اجعل لي سمعة حسنة ) ولا تقول:

رب اجعل لي لسانا حسنا ) قاصدا سمعة حسنة. والكلام في الاستظهار وليس الامتناع للقسيم.

سلمنا فرضا لكن نقول: لو ثبت الإمكان والحسن، فإنه لا مانعة جمع من إرادتهما معا، فإنه لا تنافي بينهما، كظهر وكبطن، بل كمصداقين أو صنفين للكلي فإنه على تقدير صحة وحسن التكنية عن الشخص باللسان، فإن الأشمل والأكمل والأفضل في طلب إبراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام) - 

{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ }الشعراء84 -

 

أن يطلبهما معا أي أن يطلب شخصا من ذريته يكون ذا لسان صدق وأن يطلب السمعة والذكر الحسن، وأن يكون إجابة الطلب -  {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}مريم50 - بأن يمنحه الله تعالى الحُسنيين معا، ومن الروعة والجمال أن يجمعهما إبراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام) في طلبه والله تعالى في إستجابته وهبته، في جملة واحدة، فإن خير الكلام ما قل ودل، وقد اسهبنا في "مباحث الأصول كتاب القطع" وفي كتاب "قاعدة الملازمة بين حكمي العقل والشرع" وكتاب "الضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية" في الحديث حول الوجوه المتصورة للجمع بين الباطن والظاهر، ولإرادة أكثر من معنى من لفظ واحد، كما برهنا إمكانه، فليلاحظ، وليتأمل.

bottom of page