لزوم العصمة قبل نيل الإمامة
إنّ الآية الكريمة أعطت سُنّة إلهيّة في مجال إعطاء العهود والمناصب الإلهيّة ، وهي تؤكّد أنّ هذه العهود لن تُعطى إلاّ لمَن له رادع داخلي على الظلم والطغيان ، وليست الإمامة سلعة تُعطى ثمّ تُسترَد عند ظهور عدم صلاحيّة حاملها وصدور الظلم والطغيان عنه .
مَثَلُها في ذلك مثل النبوّة ، فهي إنّما تُعطى لمَن هو مأمون عن الظلم والفساد ، ولا يحصل الأمن إلاّ إذا وُجدت مَلَكَة ومبدأ عاصم في النفس ، وقوّة فائقة في القلب ، وهذا المبدأ ليس أمراً جُزافياً اتفاقيّاً ، وإنّما ينشأ عن بُنية خاصّة وشرايط تكوينيّة مساعدة وصلاحيّات تصونه عن الخطأ والانحراف ، ولسنا نعني بالعصمة غير هذا .
هذا ، وإنّ نسبة العهد إلى الله يؤكّد على أنّه أمر لا دخل للناس فيه ، وإنّه تعيين إلهي لا انتخاب ولا اختيار للأُمّة فيه .
والواقع أنّنا نحتاج إلى هذه الوجوه عندما نريد إقامة الحجّة على مَن لم يستبصر بعد , ولم تثبت له حجّيّة كلام أهل البيت عليهم السلام .
أمّا العارف بشأنهم والآخذ من علومهم فهو في غنىً عن إقامة هذه الوجوه ، بعد أنْ وردتْ روايات كثيرة عنهم عليهم السلام تدلّ على أنّ الآية تُبطل إمامة كل مَن عبد صنماً ، وأنّه لا يمكن أنْ يكون السفيه الذي رغب عن ملّة إبراهيم إمام المتّقين . فراجع جوامع الحديث والتفاسير الروائيّة .
وها نحن نذكر من طريق كل من الفريقين نموذجاً لها :
فعن السُنّة : عن أبي الحسن الفقيه ابن المغازلي الشافعي مسنداً , عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( أنا دعوة إبراهيم . قلتُ : يا رسول الله وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم ؟
قال : أوحى الله عزّ وجل إلى إبراهيم : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) فاستخفَ إبراهيم الفَرَح ، قال :
( وَمِن ذُرِّيَّتِي ) أئمّة مثلي ، فأوحى الله عزّ وجل إليه أنْ يا إبراهيم ، إنّي لا أعطيك عهداً لا أفي لك به ، قال : يا ربّ ، ما العهد الذي لا تَفِي به ؟ قال : لا أعطيك لظالم مِن ذرّيّتك عهداً .
قال إبراهيم عندها : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ ) .
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : فانتهت الدعوة إليّ والى علي ، لم يسجد أحدنا لصنم قط ، فاتّخذني نبيّاً واتّخذ عليّاً وصيّاً ) .