6- (التوازن) بين جناحي اسماعيل واسحاق عليهما السلام
قد يقال أن هذه الآيات القرآنية الشريفة لا يوجد فيها حسب تفسيركم (توازن) كيف لا يوجد توازن ؟!
توضيحه: أن الله تعالى ذكر (إسحاق)، وذكر (يعقوب)، كامتداد له من أنبياء بني إسرائيل، لكن أين (إسماعيل)، وأين امتداده وهو النبي صلى الله عليه وآله أو أي واحد من ذريته؟
فأين التوازن بين (الجناحين) في هذه الآية القرآنية الكريمة؟ وأين جد النبي، أو أحد أحفاد إبراهيم من إبنه الآخر إسماعيل؟ إن الذي نقوله ونذهب إليه بمقتضى عدد من روايات أهل البيت (عليهم سلام الله) يتحقق به (التوازن) ويتم، أما غيره فلا توازن ويجب أن تبحث عن حل، فإن النبي إبراهيم (على نبيتا وآله وعليه السلام) خلف من، خلف (إسماعيل) جد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وخلف أيضا (إسحاق)، وإسحاق ابنه من؟ ابنه يعقوب، وابن يعقوب هو لآوي على حسب بعض المؤرخين، ابن لآوي هو قاهاث وابنه عمران وابن عمران هو موسى (على نبينا وآله وعليهم السلام)، حسب بعض الروايات.
فإذن إسماعيل وصولا إلى النبي المصطفى صلى الله عليه وآله هو الجناح الأول، والجناح الثاني: هو (إسحاق)، وإذا قلت: {ووَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} هذه صفة، أي: الذكر الحسن، فإن هذه السلسلة النورية من إسماعيل إلى النبي وأهل بيته عليهم السلام ومن عده الله تعالى نفس النبي - إشارة إلى قوله تعالى {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ }آل عمران61 - محذوفة بالمرة، والحال أن الفخر الأعظم لإبراهيم كان هذا الجانب، ولا شك في أن أولئك أيضا كانوا أنبياء عظماء، لكن الجناح الأعظم وهو الذي تضمن الرسول وأهل البيت عليهم السلام، أين هو !! ولكن حسب هذا الكلام الذي نقوله فإن التوازن موجود، والجناحان كلاهما قد ذُكرا لاحظوا جيدا يقول سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}مريم49 ماذا صنعنا له؟ {وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً} إذن، هذا هو جناح إسحاق ويعقوب فقط، ولا يوجد ذكر لأي واحد من الجناح الأعظم الآخر حسب تفسيركم، ولكن حسب التفسير الآخر الذي ذكرناه لهذه الآية فإن التوازن يتُم: {وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}مريم50 فلو كان المقصود من {عَلِيّاً} هو علي بن أبي طالب عليه السلام، فإن التوازن يتم.
فإن (علي بن أبي طالب) هو أحد أعظم أحفاد إبراهيم، بل أعظمهم على الإطلاق بعد رسول لله صلى الله عليه وآله وهو نفس رسول الله بنص الآية الكريمة {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ }آل عمران61 فذكره ذكر لرسول الله أيضا، وبه يتم التوازن.
بل في ذلك من الروعة والجمال ما لا يخفى، إذ لعل ذلك يبعث على التساؤل: لماذا لم يذكر أيضا رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ونبحث عن الجواب فنجده في قوله تعالى: {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ }آل عمران61 فقد تضمن ذكر (علي) فائدتين في الوقت نفسه وهو من معاجز الكلام.
ولو ذهبنا للتفسير الآخر وهو: {وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا} أي علي بن أبي طالب، كان التوازن أوضح لكونه صريحا، إذ قد ذكر الله تعالى من ذلك الجناح شخصين هما: إسحاق ويعقوب، وذكر من هذا الجناح شخصين هما: محمد وعلي (عليهم جميعا الصلاة والسلام).
ولا يقال: إن (إسماعيل) قد ذكر اسمه بعد ذلك في الآية 54 حيث قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً }مريم54.
إذ يقال: أولا على حسب روايات عديدة وردت في المقام، فإن هذا هو (إسماعيل بن حزقيل) وهو نبي آخر وليس (إسماعيل بن إبراهيم).
ثانيا إن كونه إسماعيل بن إبراهيم خلاف (التوازن الداخلي والخارجي في الآيات) دققوا جيدا إذ أن التسلسل العام هو:
أ- {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً }مريم41 ثم تحدث الله تعالى عن حواره مع أبيه (آزر) أي عمه وإنه عندما اعتزلهم وهب الله له إسحاق ويعقوب الآية 49 (وجعل له لسان صدق عليا) الاية 50.
ب- ثم قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً}مريم51.
ج- ثم قال: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً }مريم54 ولو كان إسماعيل هذا هو إسماعيل بن إبراهيم لكان من المناسب أن يذكر قبل مضمون الآية 50، أي أن يذكر في ضمن ما أعطاه الله لإبراهيم جزاء على جهاده وإعتزاله القوم، أي عند قوله تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً}مريم49 الآية49 ويضيف: (ووهبنا له إسماعيل) مثلا، فإن الله وهبه هذين الإبنين وجعلهما نبيين، وهذا أنسب أيضا بمقام الامتنان، لا أن يذكر أنه وهبه إسحاق ويعقوب {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ} ثم يستمر في السياق العام لـ {وَاذْكُرْ} فيمر على موسى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً}مريم51 ثم يستمر في السياق العام ويقول: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ}مريم54 ثم يواصل السياق العام حتى بعد ذلك، فيقول: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً}مريم56 مما يعني ضمنا الإعراض عن ذكر إسماعيل في مقام ما وهبه الله لإبراهيم جزاءا على جهاده وإعتزاله القوم، والله العالم.