لما جائت آية الولاية بصيغة الجمع ؟
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة/55)
أنه فرق بين إطلاق لفظ الجمع و إرادة الواحد واستعماله فيه، و بين إعطاء حكم كلي أو الإخبار بمعرف جمعي في لفظ الجمع لينطبق على من يصح أن ينطبق عليه، ثم لا يكون المصداق الذي يصح أن ينطبق عليه إلا واحدا فردا واللغة تأبى عن قبول الأول دون الثاني على شيوعه في الاستعمالات.
إنَّ المراد من لفظ الآية أمر والمصداق الذي ينطبق عليه الحكم بحسب الخارج أمر آخر، وقد كثر في القرآن الحكم والوعد والوعيد للجماعة ومصداقه بحسب شأن النزول واحد.
أقـول وقد وردت في القرآن موارد كثيرة من هذا القبيل نذكر بعضها:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)(الممتحنة/1).
في مجمع البيان نزلت في حاطب بن أبى بلتعة عندما أعطى سارة مولاة أبى عمرو وهي كافرة كتاباً لتوصله إلى أهل مكة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله يريدكم فخذوا حذركم .
(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)(المنافقون/8).
وقد نزلت في عبد الله ابن أبي قال في مجلس سمعه زيد بن أرقم وكان غلاما مراهقاً، فجاء زيد فأخبر الرسول بما قال عبد الله بن أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لعلك وهمت يا غلام ؟ قال : لا والله ما وهمت، قال: فلعلك غضبت عليه؟ قال: لا والله ما غضبت عليه، قال: فلعله سفه عليك؟ فقال: لا والله، فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فحلف له أنه لم يقل ذلك وأنه يشهد أن لا اله إلا الله وأنك لرسول الله، وأن زيدا قد كذب علي فنزلت سورة المنافقون:
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة/274).
وقد ورد أن المنفق كان عليـّاً إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.
وأعجب من الجميع قوله تعالى:
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ)(المائدة/52).
والقائل هو عبد الله بن أبي، على ما رووا في سبب نزوله وتلقوه بالقبول، ومن الجدير بالذكر أنَّ الآية واردة في سورة المائدة قبل آية الولاية بثلاث آيات.
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)
(آل عمران/173).
هو رجل واحد وهو نعيم بن مسعود الأشجعي.
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ*الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)(المجادلة/1،2).
في الحديث مسنداً عن أبى جعفر عليه السلام قال: إن امرأة من المسلمات أتت النبي صلى الله عليه وآله واشتكت من زوجها أنَّه قال لها أنت على حرام كظهر أمي، وقد أخرجها من منزلها، فأرادت من النبي أن ينظر في أمرها وجعلت تبكى وتشتكى ما بها إلى الله عز وجل والى رسول الله صلى الله عليه وآله وانصرفت فنزل ”قد سمع ....إلى قولهغفور”، قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المرأة فأتته فقال لها: جيئي بزوجك فأتت به، فقال له: أقلتَ لامرأتك هذه: أنت حرام كظهر أمي؟ فقال: قد قلت لها ذاك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أنزل الله تبارك وتعالى فيك وفى امرأتك قرآنا وقرأ الآيات.
علــيٌّ أمَّـــة
ويبقى سؤال وهو:
ما هو السر في هذا النوع من الاستعمال من ناحية الفصاحة والبلاغة؟
قال العلامَّة: ”ولتكن النكتة هي الإشارة إلى أن أنواع الكرامات الدينية –ومنها الولاية المذكورة في الآية- ليست موقوفة على بعض المؤمنين دون بعض وقفا جزافيا وإنما يتبع التقدم في الإخلاص والعمل لا غير“.
أقـول:
إنَّ السر يكمن في أمر آخر وهو:
إنَّه تعالى بصدد بيان مقام أمير المؤمنين عليه السلام وأنَّه هو المؤمن بمعنى الكلمة بل هو الإيمان كما ورد في شأنه قول الرسول صلى الله عليه وآله في مواجهة علي عليه السلام عمرو بن عبد ودّ: ”برز الإيمان كلُّه إلى الشرك كلِّه” وأيضاً قال تعالى في شأن إبراهيم الخليل عليه السلام:
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(النحل/120).
فكأنَّه تعالى يريد القول بأن ”الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون“ يتجسَّد في رجلٍ واحد وهو أمير المؤمنين عليه السلام.