أبوبكر ظالم لنفسه - الجزء الأول
أقام أبو بكر يعبد الأصنام ونبت لحمه على ما ذبح على النصب والأزلام، وغير ذلك من شرب الخمور وأعمال الجاهلية والفجور. كما أن أبو بكر على كهولته وشيخوخته كان ناقص العقل شاذاً عن الفطرة إذ عكف على عبادة أحجار لا تضر ولا تنفع! ولئن كان علي (عليه السلام) متقدّماً في عقله وفطرته على أبي بكر منذ صغره؛ بحيث أنه فاقه في الإيمان والوعي، فكيف لا يتقدّم عليه حين يكبر ويزداد كمالاً على كمال؟! وكيف يتساوى عند الله وعند الناس امرئ لم يعرف غير الله إلهاً واحداً فرداً صمداً؛ وامرئ عرف من الآلهة هبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وأكثر من ثلاثمئة صنم ظل عليها عاكفاً ولها عابداً وساجداً؟!
لهذا حاول القوم أن يغيّروا من تاريخ ابن أبي قحافة، فوضعوا أثراً مصنوعاً مفاده أن أبا بكر لم يسجد لصنم قط بل كان يرميها بالحجارة! وعليه يكون الأحرى أن يُقال عنه: (كرّم الله وجهه) كما يُقال عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) عند القوم!
هذا الأثر ذكره ابن حديدة الأنصاري قائلاً:
«وروى محمد بن ظفر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اجتمع المهاجرون والأنصار عند رسول الله فقال أبو بكر: وعيشك يا رسول الله أني لم أسجد لصنم قط! فغضب عمر بن الخطاب وقال: تقول: وعيشك يا رسول الله إني لم أسجد لصنم قط؛ وقد كنتَ في الجاهلية كذا وكذا سنة!فقال أبو بكر رضي الله عنه: إني لما ناهزت الحلم أخذني والدي أبو قحافة وانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام فقال: هذه آلهتك الشم العلى فاسجد لها وخلاّني ومضى. فدنوتُ من الصنم فقلت: إني جائع فأطعمني، فلم يجبني! فقلت: إني عار فاكسني، فلم يجبني! فأخذت صخرة فقلت: إني ملق عليك هذه الصخرة فإن كنت إلهاً فامنع نفسك، فلم يجبني!
فألقيتُ عليه الصخرة فخرَّ لوجهه وأقبل أبي فقال: ما هذا يا بني؟! فقلت هو الذي ترى! فانطلق بي إلى أمي فأخبرها، فقالت: دعه، فهو الذي ناجاني الله تعالى به! فقلتُ يا أمَّه ما الذي ناجاك به؟ قالت: ليلة أصابني المخاض لم يكن عندي أحد، فسمعت هاتفاً يهتف أسمع الصوت ولا أرى الشخص وهو يقول:
يا أمة الله على التحقيق!
أبشري بالولد العتيق!
اسمه في السماء صديق!
لمحمد صاحب ورفيق!
قال أبو هريرة رضي الله عنه: فلما انقضى كلامه نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم عليه وقال: صدق أبو بكر فصدّقه! ثلاث مرات»! (المصباح المضيء لابن حديدة الأنصاري ص16)
أما الملا علي القاري فقد أورد هذا الأثر في كتابه غير أنه اقتطع منه النص الذي يذكر غضب عمر على صاحبه أبي بكر وتكذيبه إياه! (راجع مرقاة المفاتيح للقاري ج17 ص334)
والأثر كما تراه؛ علائم الوضع عليه ظاهرة، وأطرف ما فيه أن أم أبي بكر تظهر فيه مؤمنة بالله إذ تقول:
«فهو الذي ناجاني الله تعالى به»! فهل أن سلمى بنت صخر - ذات الراية الحمراء - كانت هي الأخرى مؤمنة لم تسجد لصنم قط حتى صارت كأم موسى (عليهما السلام) يأتي إليها الوحي من السماء ويناجيها الله تعالى؟! وعجباً كيف يقول الله تعالى لها شعراً وذلك عند أهل الخلاف كفر وضلال!
فقد قامت قيامتهم في الكويت قبل زمن قصير على خطيب شيعي ذكر ما يرويه علماؤهم ومحدّثوهم - كالقندوزي الحنفي والكنجي الشافعي - أن الله تعالى هو الذي سمّى أمير المؤمنين (عليه السلام) باسم (علي) حين هتف بأبي طالب وفاطمة بنت أسد (عليهما السلام) قائلاً:
« خصصتما بالولد الزكي والطاهر المنتجب الرضي
واسمه من قاهر العلي علي اشتق من العلي ».
فما بالهم قامت قيامتهم على الفالي ولم تقم على ابن حديدة والقاري مع أن الجميع نسب الشعر إلى الله تعالى؟! إلا أن الأول نسبه إليه في فضل علي (عليه السلام) فثارت ثائرتهم فيما الآخران نسباه إليه في فضل أبي بكر فوقع ذلك في نفوسهم موقع الرضا والقبول! بل وراحوا يروّجون هذه الحكاية السخيفة المكذوبة مع ما فيها من العلل الواضحة في متنها، ويكفي أنها لم تظهر إلا بعد ثمانية قرون منقولةً عمن قيل أن له إسناداً لها! فكيف يُعتمد عليها والحال هذه؟! وأنّى لأحد من أهل الخلاف جرأةً في تصحيحها والحكم باعتبارها؟!
ولئن كانوا يحتجّون علينا بهذا الأثر فإن لنا أن نحتج عليهم بأثر آخر يرويه محمد بن طاهر الشيرازي عن صاحب الملل والنحل والنسابين، وفيه: «وأما أبو بكر فإنه كان لقبه عبد اللات وكان يخدمها وكان عاكفاً على عبادتها والسجود لها أربعين سنة، وكان خيّاطاً، فأظهر الإسلام وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله، وكان اسمه في الجاهلية عتيقاً لأنه كان قديم الهجرة في خدمة الأصنام، وكان يطليها بالدهن ويطلي بفصيلتها حتى اسودّ فسُمِّيَ عتيقاً». (كتاب الأربعين للشيرازي ص532)
والأثر الثاني أقرب إلى التصديق، لأنه يوافق ما رواه ابن كثير وغيره عن ابن اسحاق من ثبوت إنكار أبي بكر على النبي (صلى الله عليه وآله) تركه للآلهة.
قال ابن كثير: «قال يونس عن ابن اسحاق: ثم إن أبا بكر الصديق لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَحقٌّ ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا وتسفيهك عقولنا وتكفيرك آباءنا؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى! إني رسول الله ونبيّه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته. وقرأ عليه القرآن فلم يقرّ ولم ينكر»
(السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص433)
فها قد ثبت أن أبا بكر كان يرى آلهة قريش آلهته، ولذا أنكر على النبي (صلى الله عليه وآله) مفارقتها، ولو أن أبا بكر لم يكن معتقداً بتلك الآلهة حسبما زعم ابن حديدة والقاري وأضرابهما؛ لما أنكر على النبي
(صلى الله عليه وآله) مفارقتها، سيّما أنه كان يضربها بالحجارة وقد أبلغته أمه بأن الله ناجاها وبشّرها بأن
اسمه في السماء صديق وهو لمحمد صاحب ورفيق! فما عدا مما بدا؟!
فالحاصل أنه لا مناص من الإقرار بأن أبا بكر كان عاكفاً على عبادة الأصنام والأوثان والأنصاب لأن ذلك الأثر منحول لا قوام له، ولا يقاوم الآثار المعتبرة التي تحكي عن واقع أبي بكر في الجاهلية. وقد خاب من افترى.