9- حسن ترجيح الراجل الأفضل
فإن (إبراهيم) من أعظم أنبياء الله تعالى، حكمة وعقلا وعلما ومعرفة، فلا يصح أن يطلب (الأقل) و(الأدنى)، ويترك (الأفضل) و(الأسمى) و(الأعلى)، خاصة وأنه أعلم من غيره بأن الله جواد كريم، يجيب دعوة الداعي، فكيف إذا كان نبيه إبراهيم.
و(الأدنى والأقل): هو أن يطلب مجرد (الذكر الحسن) في الأمم اللاحقة.
و(الأفضل والأسمى): هو أن يطلب (من يجسد الذكر الحسن) أي أن يطلب أن يكون من ذريته من يجسد كل القيم والفضائل ويحمل مواريث كافة الأنبياء، فيكون له به (الذكر الحسن) اضافة إلى عظيم الأجر بكونه ذرية صالحة له، وصدقة جارية له على امتداد الأزمان ومر العصور وكر الدهور.
ولا قياس بين الأمرين أبدا.
ولو فرض أنه طلب الأقل، فقد عدل الله تعالى به لفضله وجوده وكرمه إلى الأكثر.
السؤال :
ماهو سر طلب إبراهيم أن يكون (علي) من ذريته ولم يطلب أن يكون (محمد) من ذريته (لسان الصدق) له؟
والجواب:
أولا: قد يقال : الظاهر أنه طلب الاثنين معا .
ويؤكده ما ذكرناه من الرواية في تفسير الآية:
1)- {وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا}مريم 50 رسول الله محمدا صل الله عليه و آله وسلم.
2)- {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}مريم50 أمير المؤمنين علي عليه السلام.
ثانيا : لو فرض أنه طلب أن يكون (علي) من ذريته، فلعله لأجل علمه - حسب اطلاع الله له - بكون علي وصي الرسول (صلى الله عليهما وآلهما)، فطلب هذا يستلزم طلب ذاك بشكل أولي، فقد طلبهما معا لكن بهذا اللسان.
ثالثا : ولعله لعلمه بكونه نفس النبي، لقوله تعالى {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} فكان طلب أحدهما طلبا للآخر أيضا، قطعا.
رابعا : ولعله كان تأدبا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وحياءا منه، لما يعرف من عظيم مقامه، فطلب ما يؤول إلى ذلك أيضا ودون تصريح.
خامسا : ولعله طلب ذلك، لأنه علم أن الإمامة من نسل علي بن أبي طالب عليه السلام إلى يوم القيامة، فقد طلب (الاستمرار) و(الفروع) التي يضمن بها (المبتدأ) و(الأصل) وهو رسول الله صلى الله عليه وآله.