لزوم العصمة للتنصيب الإلهي
مع ملاحظة ما بينا سابقاً في الخلافة الباطنية يعلم بأن الإمام لا بد وأن يكون من قبل الله تعالى لأنَّ تلك الصفات التي سوف نذكرها للإمام لا يمكن أن تعرف إلا من قبل الله تعالى وأهمُّها العصمة
يقول أبو علي سينا: "الإنسان يحتاج إلى النبي والإمام لتصحيح أخطاءه فينبغي أن يكون الإمام معصوماً والعصمة حالة باطنية لا يعرفها إلا الله"
الإطـاعة:
إن القرآن الكريم هو الذي يحسم هذا الأمر حيث يقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ...)(النساء/59).
فمن يتأمل في الآية سوف يصل إلى ما ندعيه بأن أولي الأمر لا بد وأن يكونوا معصومين من الزلل ولا يمكن أن يعرِّف المعصوم إلا المعصوم وهو الله تعالى بالأصالة والنبي بالتبع.
فينبغي أن نتحدَّث عن الآية بوجوه مختلفة:
الوجـه الأوَّل
إن قوله "أَطِيعُوا اللَّهَ" تستلزمها سالبة كلية وهي "لا تعص الله أبداً"
وقوله "أَطِيعُوا الرَّسُولَ" أيضاً تستلزمها سالبة كلية تقول "لا تعص الرسول أذاً"
فلو قلنا بأنَّ أولي الأمر لا تشترط فيه العصمة فهذا يعني أنَّه ربَّما يعصي الله تعالى أي "إعص الله في بعض الحالات" وهذه موجبة جزئية ، وبين الموجبة الجزئية والسالبة الكلية تناقض واضح يستحيل صدوره من بشر فكيف من الله تعالى.
النتـيجة:
إنَّ أولي الأمر لا بدَّ وأن يكونوا معصومين منصوبين من قبله تعالى
الوجه الثاني:
إنَّ القرآن الكريم يفسِّر بعضه بعضاً فهناك أساليب مختلفة لهذا الأمر ومع تتبع الآيات القرآنية يمكننا أن نستنتج ما ادعيناه بكل وضوح.
مثـال:
لو وصّى الطبيب مريضه بأن يتغذّى باللبنيات ثمَّ منعه من أكل الجبن والزبدة والقشدة …فحذره من جميع المشتقات …ثمَّ سكت ولم يجعل اللبن خاصة ضمن المحذورات فماذا يفهم من ذلك ؟؟؟ إنَّ المباح هو اللبن ليس إلا.
القرآن في بيان القسم الثالث من المطاعين يقول:
(وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ..)(النساء/59).
وفي نفس الوقت نلاحظ أنَّه يمنعنا من إطاعة الكثير من الناس حيث يقول:
(وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)(الإنسان/24).
(ولاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)(الكهف/28).
(وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)(القلم10،11).
وأيضاً يقول سبحانه:
(وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ) (الشعراء/151 ، 152).
ويقول تعالى:
(..وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(الأعراف/142).
(...وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ ...) (المائدة/48).
(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُون)(الأعراف/3).
(لاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)(المائدة/77).
النتيجة:
فماذا نستنتج من جميع تلك الآيات ومن هو الذي ينبغي أن يتَّبع؟ لا يبقى إلا المعصوم الخالص من جميع تلك الشوائب والأمراض النفسية.
الإطـلاق:
تتميماً للوجهين نلفت انتباه القرآن إلى أنَّه تعالى لم يقيِّد إطاعتهم أصلاً بل جعلها مطلقة فهم إذاً المعصومون لا غير وهم الذين إن تبعهم الإنسان لن يتورط في الضلال والعمى بل يخرجونه من الظلمات إلى النور كإطاعة الله تعالى لا كإطاعة الوالدين حيث يقول تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)(النساء/36).
ثمَّ يقول في موضع آخر: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ...)(لقمان /15).